اهم المقالات

كوبرى قصر النيل

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم المهندس/ طارق بدراوى
تم بناء كوبرى قصر النيل القديم في عهد الخديوى إسماعيل ضمن مخططه لجعل القاهرة قطعة من أوروبا بحيث تكون عاصمة مدنية حديثة لمصر علي النسق الأوروبي وبحيث تضارع أكبر العواصم الأوروبية مثل روما وفيينا وباريس ولندن وكان كوبرى قصر النيل أول كوبرى يتم تشييده علي النيل ليربط القاهرة بجزيرة الزمالك لتيسير حركة انتقال الناس عبر نهر النيل بدلا من الوسيلة التي كانت متبعة في ذلك الوقت وهي المراكب الشراعية والتي كانت تعرض حياة الناس لخطر الغرق في مياه النيل وكثيرا ماوقعت حوادث من هذا النوع وأدت إلى غرق البعض بالفعل ولم يكن هذا هو الكوبرى الوحيد الذى قام ببنائه الخديوى إسماعيل حيث تم في عهده تشييد 426 كوبرى منها عدد 276 كوبرى بالوجه البحرى وعدد 150 كوبرى في الوجه القبلي …..
وكانت بداية العمل في تشييد الكوبرى في عام 1869م حيث تم إسناد أعمال تنفيذ الكوبرى إلى شركة فيف ليل vive lille الفرنسية المتخصصة في تشييد الكبارى حول العالم وبلغت تكلفة المشروع حينذاك حوالي 108 ألف جنيه واستغرق بناء الكوبرى حوالي 3 سنوات وبلغ طوله 460 متر وعرضه 10 أمتار ونصف المتر شاملة الرصيفين الجانبيين بإجمالي عرض مترين ونصف المتر وكان جسم الكوبرى مكونا من 8 أجزاء منها جزء متحرك طوله 64 متر من ناحية ميدان الإسماعيلية سابقا ميدان التحرير حاليا يتم فتحه يدويا لعبور المراكب وذلك من خلال مجموعة تروس ومن ناحية الضفة الأخرى يوجد جزءان طول كل منهما 46 متر إلى جانب 5 أجزاء وسطية طول كل منها 50 متر وتم تأسيس الكوبرى علي عدة دعائم buttresses أو كما يسميها العامة كل واحدة منها ببغلة الكوبرى شيدت من الدبش المحاط بطبقة من الحجر الجيرى وقد تم تصميم الكوبرى وفقا لأحدث طرق التصميم حينذاك وبحيث يتحمل كل جزء من أجزائه حمولة قدرها 40 طن أو مجموعة عربات متتابعة حمولة كل منها 6 طن وكان إرتفاع الكوبرى 10 متر من أعلي إرتفاع يمكن أن يصل إليه مستوى مياه النيل وقت الفيضان
وبعد الإنتهاء من بناء الكوبرى تم تكوين لجنة برئاسة محمود باشا الفلكي ناظر ديوان الأشغال وعضوية بهجت باشا المفتش العام لقناطر وترع الوجه البحرى وعلي باشا إبراهيم مهندس شوارع مصر لإختبار متانة الكوبرى وقدرته على تحمل الأحمال المختلفة وتم ذلك من خلال السماح بمرور طوبجية مدفعية راكبة مكونة من 6 مدافع مع كامل ذخيرتها وتم المرور أولا بالخطوة العادية ثم بالخطوة السريعة وتم التأكد فعلا من متانة الكوبرى وقدرته على تحمل اى أحمال أو أوزان تمر عليه في ذلك الوقت وقامت شركة فيف ليل الفرنسية التي نفذت الكوبرى بإهداء الخديوى إسماعيل ماكيت للكوبرى مصنوع من الذهب الخالص بمناسبة تسليمه وبدء إستخدامه وكانت تسميته بكوبرى قصر النيل بسبب وجود قصر بهذا الإسم خاص بالأميرة زينب هانم إبنة محمد علي باشا وكان قد تم إزالته في عهد أخيها محمد سعيد باشا وأقيمت مكانه ثكنات للجيش المصرى سميت ثكنات قصر النيل ثم اتخذها الجيش الإنجليزى مقرا له في القاهرة وأخيرا أقيم مكانها فندق هيلتون النيل سابقا الريتز كارلتون حاليا ومبني جامعة الدول العربية
وكان المرور علي كوبرى قصر النيل في البداية ليس مجانيا ففور إتمام بناء الكوبرى وبدء إستخدامه أصدر الخديوى إسماعيل مرسوما بتاريخ 27 فبراير عام 1872م تم نشره في جريدة الوقائع المصرية يقضي بوضع حواجز علي مدخلي الكوبرى وعند إستخدامه للمرور يتم تحصيل رسوم قدرها قرشين عن الجمل المحمل وقرش واحد عن الجمل الفارغ وقرش + 15 بارة عن الخيول والبغال المحملة وكذلك الأبقار والجاموس وكانت البارة تساوى ربع مليم وكان باقي قائمة الرسوم قرشين للعربة المحملة وقرش للعربة الفارعة و3 قروش لعربات الكارو المحملة وقرش واحد للفارغة وبالنسبة للأغنام والماعز 10 بارات عن كل رأس وبخصوص البشر كانت الرسوم عن الرجل او المرأة 100 فضة والإعفاء الوحيد كان للأطفال دون سن السادسة بصحبة ذويهم وكان مايتم تحصيله من رسوم يخصص لأعمال صيانة الكوبرى وعمل اى إصلاحات به قد يحتاجها مستقبلا
كما تم تزيين الكوبرى بعدد 4 تماثيل لأسود مصنوعة من البرونز بواقع أسدين في جانب كل مدخل من مداخله كان الخديوى إسماعيل قد كلف المثال الفرنسي الشهير جاكمار بصنعهما فتم التصنيع في فرنسا وتم شحنها من ميناء مارسيليا الفرنسي إلى ميناء الإسكندرية ومنها إلي مكانهما عند مدخلي الكوبرى وبعدها أصبح يطلق إسم أبو السباع علي الخديوى إسماعيل وبعدها أصبح هذا اللقب كنية لكل من يحمل إسم إسماعيل وقد ساهم هذا الكوبرى في تطوير وتنمية جزيرة الزمالك وأصبح من أهم معالم القاهرة وشجع بناءه ونجاح تجارب تحميله المضي قدما لتشييد جسور أخرى علي النيل فتبعه كوبرى الجلاء وكوبرى أبو العلا وكوبرى عباس وكوبرى امبابة وكوبرى بنها وكوبرى المنصورة وهكذا في خلال السنين الأخيرة من القرن التاسع عشر الميلادى وأوائل القرن الماضي العشرين
وفي أواخر عشرينيات القرن الماضي العشرين بدأت حركة المرور على كوبرى قصر النيل تتزايد كما ظهرت أنواع حديثة من المركبات مثل السيارات والأوتوبيسات والناقلات ذات الأوزان الثقيلة التي لم يصمم الكوبرى على أساس أنها ستمر عليه وبعد دراسات ومناقشات عديدة تقرر فك الكوبرى القديم وتشييد كوبرى جديد مكانه وبالفعل تم ذلك وبطريقة فتية دقيقة حيث تم ترقيم كل جزء من أجزاء الكوبرى مع عدم استخدام النار في عملية الفك وليتم تخزينه وذلك لتسهيل عملية تركيبه في أى مكان آخر عند الحاجة كما تم فك تماثيل الأسود الأربعة وتخزينها في مخازن حديقة الحيوان بالجيزة حتي يتم تركيبها مرة أخرى في مكانها القديم علي جانبي مدخلي الكوبرى بعد تنفيذ الكوبرى الجديد وتم طرح عملية مقاولة تنفيذ الكوبرى الجديد علي الشركات العالمية المتخصصة في تصميم وتنفيذ الكبارى المعدنية وتقدمت 13 شركة وتم إختيار شركة دورمان لونج الإنجليزية وهي الشركة التي صممت ونفذت كوبرى مدينة سيدني في قارة أستراليا ووضع تصميم الكوبرى الجديد المهندس الإنجليزى السير رالف فريمان مصمم كوبرى مدينة سيدني المشار إليه
وبدأ البناء في شهر أبريل عام 1931م في عهد الملك فؤاد واتبعت الشركة المنفذة أحدث تكنولوجيا في تنفيذ الكبارى المتوافرة في ذلك الوقت كما تم توسعة الكوبرى ليصبح عرضه 20 متر وتم افتتاحه يوم 6 يونيو عام 1933م وشرف الملك فؤاد حفل الافتتاح وقص شريط الافتتاح بنفسه وتم تزيين وتجميل الكوبرى بعدد 4 منارات من الجرانيت بواقع عدد 2 في كل جانب من مدخليه وأعلي كل منها مصباح وأمام كل واحدة منها واحد من تماثيل الأسود الأربعة كما تم تركيب مصابيح إنارة جميلة الشكل علي درابزين الكوبرى من الجانبين كما تم إنشاء شرفتين جميلتين عند نهاية الكوبرى تطلان علي شاطئ النيل وتم تسميته في ذلك الوقت كوبرى الخديوى إسماعيل تخليدا لذكراه
وبعد ذلك تم تغيير مسماه مرة أخرى إلى إسمه القديم كوبرى قصر النيل بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م وأصبح منذ سنين عديدة من أهم الشرايين المرورية في مدينة القاهرة وتم إنشاء نفقين واحد أسفله لنقل الحركة خلال كورنيش النيل للقادم من منطقة بولاق وماسبيرو إلى جاردن سيتي دون التقاطع مع الحركة أعلى الكوبرى والثاني للقادم من شارع القصر العيني إلى ميدان سيمون بوليفار إلى النفق ومنه إلى كورنيش النيل في إتجاه ماسبيرو وبولاق وجدير بالذكر أن كل من كوبرى قصر النيل القديم والجديد قد شهد حوله تشييد العديد من المنشآت الهامة فمن ناحية ميدان التحرير نجد فندق سميراميس القديم والجديد وفندق شبرد الجديد ومبتي جامعة الدول العربية وفندق النيل هيلتون سابقا الريتز كارلتون حاليا ومن ناحية جزيرة الزمالك كانت أرض المعارض بالجزيرة وتحولت الآن إلى دار الأوبرا الجديدة وحديقة الأندلس وفندق البرج
وبالإضافة إلى ذلك شهد أيضا كوبرى قصر النيل الجديد عدة أحداث هامة أولها الحادث الذى كاد فيه الملك فاروق أن يفقد حياته عندما كاد ان يصطدم مع لورى تابع للجيش الإنجليزى وثانيها الحادث الذى تعرض له أحمد حسانين باشا رئيس الديوان الملكي للملك فاروق عام 1946م وأودى بحياته عندما اصطدمت سيارته مع سيارة لورى وثالثها جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في شهر أكتوير عام 1970م ورابعها مظاهرة يوم جمعة الغضب 28 يناير عام 2011م التي حاولت قوات الأمن المركزى إيقافها بشتى الطرق بإستخدام العصي والهراوات والدروع وبخراطيم ومضخات المياه وبالقنابل المسيلة للدموع ولم تفلح وانتهى الأمر بالدخول إلى ميدان التحرير وانسحاب قوات الأمن المركزى من المشهد تماما

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى